16 May 2011

welcome to Bali

Bali is so Beautiful

'Uqud al Lujayn


شرح عقود اللجين

في بيان حقوق الزوجين

لمحمد بن عمر بن على نووي
البنتني الجاوي

بسم الله الرحمن الرحيم

     قال الفقيرُ إلى رحمة الربّ الغفّار محمدٌ المعترف بالأوزار، بصره الله عيوبَ نفسه، وجعل يومه خيرا من أمسه: الحمد لله كما ينبغى له. والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ، وآلهِ، وصحبهِ عددَ كل معلومٍ له.
     (أما بعد): فهذا شرحٌ طلبه مني بعضُ المحبين على الرسالة المتعلقة بأمور الزوجين التى صنّفها بعضُ الناصحين، وسميتُها: "عُقُوْدَ اللُّجَيْنِ فِيْ بَيَانِ حُقُوْقِ الزَّوْجَيْنِ"، وأرجو من الله تعالى الإعانةَ، والإخلاصَ، والقبولَ، والنفعَ به بجاه سيدنا محمدٍ، وأزواجهِ وذريتهِ وحزبه، وأهديتُ ذلك للوالدين راجيا من الله تعالى  غفران ذنوبهما، وارتفاع درجاتهما، إته تعالى واسعُ المغفرةِ  وأرحمُ الراحمين.
     قال المصنف، شكر الله سعْيَه: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم) اعلم: أن البسملة كثيرةُ البركة، من ذكَرها حصل له المأمولُ، ومن واظب عليها حظى بالقبول، قيل: إن الكتب المنزلة من السماء إلى الأرض مائة وأربعةٌ: صُحُف شيث ستون، وصحفُ إبراهيم ثلاثون، وصحفُ موسى قبل التوراة عشرةٌ، والتوراةُ، والإنجيلُ، والزبورُ، والفرقانُ. ومعانى كل الكتب مجموعةٌ في القرآن، ومعانى القرآن مجموعةٌ في الفاتحة، ومعانى الفاتحة مجموعةٌ فى البسملة، ومعانى البسملة مجموعة فى بائها. وكان بعضُ العلماء الصالحين أصابه مرضٌ شديدٌ أعجز الأطباءَ، فتفكّر في بعض الأعيان تلك العبارة، فواظب على البسملة من غير عددٍ محصورٍ، فشفاه الله تعالى ببركتها.
     {وحكي}: أن امرأةً كان له زوج منافقٌ، وكانت تقول على كل شيئ من قول أوفعل: "بسم الله"، فقال زوجها: "لأفعلنّ ما أخجلها به"، فدفع إليها صُرّةً، وقال: "احفظيها"، فوضعتْها في محلٍّ وغطتْها، فغافلها وأخذ الصرةَ ورماها في بئرٍ في داره، ثم طلبها منها، فجاءت إلى محلها، وقالت: "بسم الله الرحمن الرحيم"، فأمر الله تعالى جبريلَ عليه السلام أن ينزل سريعا ويُعيد الصُرّةَ إلى مكانها، فوضعت يدها لتأخذها، فوجدتها كما وضعَتْ، فأخذتها وناولتْها إلى زوجها، فتعجّب من ذلك غايةَ التعجّب، وتاب إلى الله تعالى من نفاقه.
     (الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا نَسْتَفْتِحُ بِهِ الْخَيْرَاتِ) أي نطلب بذلك الحمد الفتحَ للخيرات (وَالنُّصْرَةَ عَلَى تَحْصِيْلِ) الفاضلات (النَّفَحَاتِْ) أي نطلب بذلك الحمد الفتحَ للعطايا والنصرةَ على تحصيلها (وَالصَّلاَةُ) أي رحمةُ الله المقرونةُ بالتعظيم للأنبياء، ومطلقُ الرحمة لغيرهم، والدعاءُ بخيرٍ من العباد (وَالسَّلاَمُ) أي تحيةُ الله العُظمَى، وهو تعظيم للأنبياء  كما يُحَيّى أحدُنا ضيفَه وطلب العباد لذلك (عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْبَرِيَّاتِْ) أي رئيس المخلوقات (وَعَلَى آلِهِ) أي أتباعه على الإيمان ولوعُصاةً < ص 3 > (وَصَحْبِهِ) وهم المجتمعون بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين ولولحظةً (الأَئِمَّةِ) أي الْمُقتَدَى بهم فى أمور الدين (الثِّقَاتِْ) فيها.
     (أَمَّا بَعْدُ) أي بعد البسملة والحمدلة والصلاة والسلام: (فَهَذِهِ) أي الحاضرة في الذهن (رِسَالَةٌ) أي كتاب صغير جدا (مُهِمَّةٌ) مُحْزِنةٌ للقلوب (رَتَّبْتُهَا) أي هذه مقسومةً (عَلَى أَرْبَعَةِ فُصُوْلٍ) أي أفراز (وَخَاتِمَةٍ) وهي ما تُذكر لإفادة ما يتعلق بالمقصود، وكأن ذلك التعلق تعلق اللاحق بالسابق، وهو التعلق من حيث التكميلُ، وزيادةُ التوضيح:
     (الفَصْلُ الأَوَّلُ: فِيْ) بيان (حُقُوْقِ الزَوْجَةِ) الواجبة (عَلَى الزَوْج) وهي حُسْن العِشْرة، ومؤْنةُ الزوجة ومهْرُها، والقَسْم، وتعليمُها ما تحتاج إليه من فروض العبادات وسننها ولو غيرَ مؤكَّدة، ومما يتعلق بالحيض، ومن وجوب طاعته فيما ليس بمعصية.
     (الفَصْلُ الثَّانِيْ: فِيْ) بيان (حُقُوْقِ الزَّوْجِ) الواجبة (عَلَى الزَّوْجَةِ) وهي طاعة الزوج في غير معصية، وحسن المعاشرة، وتسليم نفسها إليه، وملازمة البيت، وصيانة نفسها من أن توطئ فراشه غيره، والإحتجاب عن رؤية أجنبي لشيء من بدنها ولو وجههل وكفيها، إذ النظر إليهما حرام ولو مع انتفاء الشهوة  والفتنة، وترك  مطالبتها له بما فوق الحاجة ولو علمت قدرته عليه، وتعففها عن تناول ما يكسبه من المال الحرام، وعدم كذبها على حيضها وجودا وانقطاعا.
     (الفَصْلُ الثَالِثُ: فِيْ) بيان (فَضْلِ صَلاَةِ الْمَرْأَةِ فِيْ بَيْتِهَا وَفِيْ أَنَّهَا) أي صلاة المرأة في بيتها (أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). قال صلى الله عليه وسلم: {أَقْرَبُ مَا تَكُوْنُ الْمَرْأَةُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا إِذَا كَانَتْ فِيْ قَعْرِ بَيْتِهَا وَإِنَّ صَلاَتَهَا فِيْ صُحْنِ دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ الْمَسْجِدِ، وَصَلاَتَهَا فِيْ بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ صُحْنِ دَارِهَا، وَصَلاَتَهَا فِيْ مُخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ بَيْتِهَا}. والمخدع بضم الميم: بيت في بيت، وذلك للستر.
     (الفَصْلُ الرَابِعُ: فِيْ) بيان (حُرْمَةِ نَظَرِ الرَجُلِ إِلَى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ وَالْعَكْسِ) أي نظرهن إليه، فما يحرم رؤيته على الرجل يحرم رؤيته على المرأة منه. والمراهق في ذلك كالرجل، فيلزم وليه منعه من النظر إلى الأجنبية، ويلزمها الإحتجاب منه. وكالمرأة في ذلك الأمردُ الجميلُ الوجهِ، كذا في النهاية للشيخ محمد المصري (وَ) في (مَا وَقَعَ فِيْهِ) أي النظر (مِنَ الزَجْرِ) أي المنع من الكتاب والأحاديث.
     ويحرم على الرجل ولو مجبوبا وخصيا وعنينا ومخنثا وهمًّا نظره إلى أجنبية مشتهاة حتى إلى وجهها وكفيها ظهرا وبطنا، وهو المفتي به، لكن نقل عن الأكثرين حل النظر إلى ذلك. أما نظرُ الرجل إلى زوجته وأمته في حال حياة كلٍّ منهما فجائزٌ ولو مع وجود مانع من الإستمتاع قريب الزوال كحيض ورهن، لكن يكره نظر الفرج حتى من نفسه بلا حاجة، بخلاف المانع البطىء الزوال كأن اعتدت الزوجة عن شبهة، فيحرم النظر إلى ما بين سرّتها وركبتها، دون غيره كالمحارم والأمة المزوّجة. أما النظر لإجل النكاح، فيجوز إلى الوجه والكفين فقط من الحرة، وإلى ما عدا ما بين السرة والركبة من الأمة. ويجوز  النظر إلى الأجنبية في الوجه فقط للشهادة والمعاملة، وإلى الأمة عند شرائها فيما عدا العورة من ظاهر البدن.
     ويجوز النظر إلى الأجنبية ومسّها للمداواة في المواضع التي يحتاج إليها ولو فرجا، بشرط حضور من يمنع الخلوة من محرم ونحوه، وبشرط فقد جنس معالج، ويجوز النظر إليها أيضا لتعليم الواجب فقط عليها كما قاله السبكي وغيره، وذلك عند فقد من يعلمها  من المحارم والنساء، قياسا على المداواة، وعند تعسر التعليم من وراء حجاب. ولا يجوز النظر إليها لأجل تعليم المندوب، بخلاف الأمرد، فيجوز النظر إليه لأجله. كذا في شرح النهاية للشيخ المصري على الغاية لأبي شجاع.

{الفَصْلُ الأَوَّلُ فِيْ) بيان  (حُقُوْقِ الزَوْجَةِ) الواجبة  (عَلَى الزَوْجِ}
     (قَالَ اللهُ تَعَالَى) في سورة النساء:  (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)  أي بالعدل في المبيت، والنفقة، وبالإجمال في القول  (وَقَالَ) في سورة البقرة:  (وَلَهُنَّ)  على الأزواج  (مِثْلُ الَّذِي) لهم  (عَلَيْهِنَّ) من الحقوف في الوجوب، واستحقاق المطالبة عليها، لا في الجنس  (بِالْمَعْرُوفِ) أي بما يُستَحْسَن شرعًا من حُسْن العِشْرَةِ، وتركِ الضرر منهم ومهن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: معنى ذلك "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لاِمْرَأَتِيْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِيْ"  (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) أي فضيلةٌ في الحق من وجوب طاعتهن لهم لما دفعوه إليهن من المهر، ولإنفاقهم في مصالحهن. < ص 4 >
     (رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِيْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) أي آخر حجه صلى الله عليه وسلم، وهو حجة الجمعة  (بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللهَ) تعالى  (وَأَثْنَىْ عَلَيْهِ وَوَعَظَ) الحاضرين  (ألاَ) أي تنبهوا يا قوم لما يلقى إليكم  (وَاسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيْراً)  الباء للتعدية أي اقبَلوا وصيتي فيهنّ، واعمَلوا بها، وارفقوا بهنّ، وأحسنوا عِشْرتهنّ، فإن الوصية بهنّ آكدُ لضعفهنّ، واحتياجهنّ إلى من يقوم بأمرهنّ. وفي نصب "خيرا" وجهان، أحدهما: أنه مفعول "استوصوا"، لأن المعنى: افعلوا بهن خيرا. والثاني: معناه: اقبلوا وصيتي وائتوا خيرا، فهو منصوبٌ بفعلٍ محذوف كقوله تعالى: {وَلاَ تَقُوْلُوْا ثَلاثَةٌ انْتَهُوْا خَيْراً لَكُمْ}  أي انتهوا عن ذلك، وائتوا خيرا  (فإنّمَا هُنّ عَوَان)  أي أسيرات  (عِنْدَكمْ) فعوان بالنون المكسورة جمعُ عانية، وهي بصيغة  منتهى الجموع، وإنما قيل للمرأة عانيةٌ، لأنها محبوسة كالأسير عند الزوج. وفي لفظ: {فَإنَّهُنَّ عوَار}  بالراء جمع عارية ' فإن الرجال أخذوهنّ بأمانة الله  (لَيْسَ) أي الشأن  (تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذَلِكَ) أي الخير  (إلاّ أَنّ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ) أي نشوز  (مُبَيّنَةٍ) أي ظاهرة، بأن ظهرت أماراته  (فَإِنْ فَعَلْنَ) بأن أظهرْنَ النشوز  (فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ) أي اعتزلوهن في الفراش، واتركوا مضاجعتهن أي النوم معهن. وهذا الهجر لا غاية له، لأنه لحاجة صلاحها، فمتى لم تصلح فالهجر باقٍ وإن بلغ سنين، ومتى صلحت فلا هجر. وعن بعض العلماء غاية الهجر شهر  (وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ) وهو الذي لا يكسر عظما، ولا يشين عضوا أي ضربا غير شديد، وذلك إن لم يرجهن بالهجران  (فَإنْ أطَعْنَكُمُ) فيما يراد منهن  (فَلاَ تَبْغُوا) أي لا تطلبوا  (علَيْهِنّ سَبِيلاً) أي طريقا إلى ضربهن ظلما، واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنبَ له  (أَلاَ) أي تنبهوا  (إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّاً، وَلِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَحَقُكّمْ عَلَيْهِنَّ فَلاَ يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُوْنَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُوْنَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِنَّ) روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه.
      (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلىَ الزَّوْجِ) أي من حقها عليه  (أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَيَكْسُوْهَا إِذَا اكْتَسَىْ وَلاَ يَضْرِب الْوَجْهَ) أي عند نشوزها  (وَلاَ يُقَبِّح) بتشديد الموحدة مكسورة أي لا يُسْمِعْها مكروها، ولا يقلْ: "قبّحَكِ اللهُ"  (وَلاَ يَهْجُر) وفي رواية: "وَلاَ يَهْجُرْهَا"  (إِلاَّ فِيْ المْبَِيْتِ) أي في المضجع عند النشوز، أما الهجر في الكلام فإنه حرام إلا لعذر. رواه الطبراني والحاكم عن معاوية بن حيدة بفتح المهملة.
      (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيمُّاَ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلىَ مَا قَلَّ مِنَ المَْهْرِ أَوْ كَثُرَ لَيْسَ فِيْ نَفْسِهِ) أي قلبه  (أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهَا حَقَّهَا خدعها فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهَا حَقَّهَا لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ}  أي آثم  (الْحَدِيْثَ) أي اقرأ الحديث. رواه الطبراني.
      (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنِينَ إِيمانَاً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً) بفعل الفضائل وترك الرذائل  (وألْطَفُهُمْ) أي أرفقهم وأبرّهم  (بِأَهْلِهِ) أي من نسائه وأولاده وأقاربه. رواه الترمذي والحاكم عن عائشة. 
      (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ) أي حلائله وبنيه وأقاربه  (وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِيْ) رواه ابن حبان. وقال عليه السلام: {خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِنِسَائِيْ}.
      (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَبَرَ عَلىَ سُوْءِ خُلُقِ امْرَأَتِهِ أَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَا أَعْطَى أَيُّوْبَ عَلَى بَلاَئِهِ) فالله ابتلاه بأربعة أمور: فقْدِ ماله، وولدهِ، وتمزيقِ جسدهِ، وهجْرِ جميعِ الناس له إلا زوجته، فإنه كان له من أصناف المالِ إبلٌ وبقر وغنم وفِيَلَةٌ وحُمُرٌ، وكان له خمسمائة فَدَّانٍ يتبعها خمسُمائةِ عبد، لكل عبد امرأةٌ وولد ومال، وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به، وكانوا كُهُوْلا، وكا إبليس لا يحجب عن شيء من السموات، فيقف فيهن حيثما أراد، فسمع صلاة الملائكة على أيوب، فحسده، وقال: "إلهي نظرت في عبدك أيوبَ، فوجدته شاكرا حامدا، ألا ولو ابتليته لرجع عن شكرك وطاعتك"، فقال الله له: "انطلق فقد سلطتُك على ماله"، فانطلقَ وجميعُ عفاريت الشياطين والجن، وقال لهم: "قد سلطت على مال أيوب"، وقال لعفريت منها: "ائت الإبل ورعاتها، فاحرقها". ثم جاء إبليس إلى أيوب، فوجده قائما يصلى، فقال له: "أحرقت النار إبلَكَ ورعاتها"، فقال أيوب: "الحمد لله، هو أعطانيها، وهو آخذها". ثم فعل مثل ذلك بالغنم ورعاتها. ثم جاء إلى أيوب، وقال له: "نسفت الريح زرعك"، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال إبليس: "سلطني على ولده"، فقال له: "انطلق، قد سلطتك على ولده"، فذهب إلى ولده، وزلزل بهم القصر، وقلبه عليهم فماتوا جميعا، ثم جاء إلى أيوب وأخبره بموت ولده، فاستغفر. ثم قال: "سلطني على جسده"، فقال: < ص 5 > "سلّطتُك على جسده، غير قلبه ولسانه وعقله"، فذهب إلى أيوب فوجده ساجدا، فجاء من قبل وجهه، ونفخ في منخريه نفخة اشتعل منها جسده، ووقع فيه حكة، فحكها بأظفاره حتى سقطت كلها، ثم حكها بالمسوح الخشنة، ثم بالفخار والحجارة، فلم يزل يحكها حتة تقطع جسده وأنتن، فأخرجه أهل القرية، وجعلوه على كناسة لهم، وجعلوا له عريشا، وهجره الناس كلهم إلا زوجته المسماة رحمة، فكانت تخدمه بما يصلحه، وتأتيه بالطعام. وهجره الثلاثة الذين آمنوا ولم يتركوا دينهم.
     وروي: {أنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَشْكُوْ إِلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ، فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ، فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيْلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ لاَ يَرُدُّ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفَ الرَجُلُ قَائِلاً: إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَكَيْفَ حَالِيْ ؟. فَخَرَجَ عُمَرُ فَرآهُ مُدْبِرًا فَنَادَاهُ، مَا حَاجَتُكَ ؟. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، جِئْتُكَ أَشْكُوْ إِلَيْكَ خُلُقَ زَوْجَتِيْ وَاسْتِطَالَتِهَا عَلَيَّ، فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِك َ، فَرَجَعْتُكَ وَقُلْتُ: إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَكَيْفَ حَالِيْ ؟. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ياَ أَخِيْ إنّيْ احْتَمَلْتُهَا لِحُقُوْقٍ لَهَا عَلَيَّ، إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِيْ، خَبَّازَةٌ لِخُبْزِيْ، غَسَّالَةٌ لِثِيَابِيْ، مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِيْ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَيَسْكُنُ قَلْبِيْ بِهَا عَنِ الحَرَامِ، فَأَنَا احْتَمَلْتُهَا لِذَلِكَ، فَقَالَ الرَجُلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَكَذَلِكَ زَوْجَتِيْ. قَالَ
عُمَرُ: فَاحْتَمِلْهَا يَا أَخِيْ، فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيْرَةٌ}.
     (وَمَنْ صَبَرَتْ عَلَى سُوْءِ خُلُقِ زَوْجِهَا أَعْطَاهَا اللهُ مِثْلَ ثَوَابِ آسِيَةَ امرَأَةِ فِرْعَوْنَ) وهي بنت مزاحم، وذلك أن موسى عليه السلام لما غلب السَحَرَةَ آمنتْ به آسيةُ، فلما تبين لفرعون إيمانُها دق ليديها ورجليها أربعة أوتاد في الأرض، وشبحها فيها كلَّ عضوٍ بحبل، وجعَلَها في مقابلة الشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلَّتْها الملائكةُ، وأمر فرعون بصخرة عظيمة لتلقى عليها، فلما أتوها بالصخرة، قالت: "ربِّ ابْنِ لِيْ عِنْدَكَ بَيْتًا فِيْ الْجَنَّةِ"، فأبصرتْ البيت َ من مرمرة بيضاءَ، فا نتزعتْ روحها، فأُلْقِيَت الصخْرةُ على جسد لا روح فيه ولم ألَمًا.
      (قَالَ سَيِّدُنَا) أي أكرمنا  (الْحَبِيْبُ) أي المحبوب السيد  (عَبْدُ اللهِ الْحَدَّاد) صاحب الطريقة المشهورة، والأسرار الكثيرة. فاصطلاح بعض أهل البلاد أن ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ذكرا يقال له: "حبيب"، وإن كانت أنثى يقال لها: "حبابة"، واصطلاح الأكثر يقال  له: "سيد وسيدة".  (الرَجُلُ الْكَامِلُ) أي في دينه  (هُوَ الَّذِيْ يُسَامِحُ) أي يساهل  (فِيْ حُقُوْقِهِ) كالزينة  (وَلاَ يُسَامِحُ فِيْ حُقُوْقِ اللهِ تَعَالَى) كالصلاة ووصل الشعر فذلك حرام  (وَالرَّجُلُ النَّاقِصُ هُوَ الَّذِيْ يَكُوْنُ عَلَى الْعَكْسِ) بأن يتسع في حقوق الله تعالى، ولا يتسع في حقوق نفسه.
     كان لبعض الصالحين أخ صالح يزوره كل سنة مرة، فجاء مرة لزيارته فدق بابه، فقالت زوجته: "من هذا ؟"، فقال: "أخو زوجك في الله، جاء لزيارته"، فقالت: "ذهب يحتطب، لا ردّه الله"، وبالغت في سبه. فبينما هو كذلك، وإذا بأخيه قد حمل الأسد حزمةَ حطبٍ وهو مقبل به، ثم أنزل الحطب عن ظهر الأسد، وقال: "إذهب، بارك الله فيك"، ثم أدخل أخاه بعد التسليم عليه والترحيب به، فأطعمه. ثم ودعه وانصرف على غاية العجب من صبره عليها، وعدم جوابه في سبها. ثم جاء أخوه في العام الثاني، فدق الباب، فقالت امرأة: "من هذا ؟"، قال: "أخو زوجك، جاء يزوره"، قالت: "مرحبا"، وبالغت في الثناء عليه وعلى زوجها، وأمرتْه بانتظاره. فجاء أخوه والحطب على ظهره، فأدخله وأطعمه. فلما أراد مفارقته، سأله عما رأى من تلك وهذه، ومن حمل الأسد حطبه، فقال: "يا أخي، توفيت تلك الشرسة، وكنت صابرا على شؤمها، فسخّر الله تعالى لي الأسد لصبري عليها، ثم تزوّجت هذه الصالحة، وأنا في راحة معها، فانقطع عني الأسد، فاحتجت أن أحمل الحطب على ظهري لأجل راحتي مع هذه الصالحة.
     يجوز للزوج أن يضرب زوجته على ترك الزينة وهو يريدها، وتركِ الإجابة إلى الفراش، وأن يضربها على الخروج من المنزل بغير إذنه، وعلى ضربها الولد الذي لا يعقل عند بكائه، أو على شتم أجنبي، وعلى تمزيق ثياب الزوج، وأخذ لحيته، وقولها له: "يا حمار، يا بليد" وإن شتمها قبل ذلك، وعلى كشف وجهها لغير محرم، أو تكلمها مع أجنبي، أو تكلمها مع الزوج ليسمع الأجنبي صوتها، أو إعطائها من بيته ما لم تجر العادة بإعطائه، وعلى امتناعها من الوصل. وفي ضربها على ترك الصلاة قولان، أصحهما: له ضربها على ذلك، إذا لم تفعل بالأمر.
      (وَاعْلَمْ أَنَّهُ) أي الشأن  (يَنْبَغِيْ) أي يطلب  (لِلرَّجُلِ أَنْ يُوْصِيَ امْرَأَتَهُ) أي يأمرها،  ويُذكّرها ويستعطف بها. وفي الحديث: {رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَالَ: يَا أَهْلاَه، صَلاَ تَكُمْ، صِيَامَكُمْ، زَكَاتَكُمْ، مِسْكِيْنَكُمْ، يَتِيْمَكُمْ، جِيْرَانَكُمْ، لَعَلَّ اللهَ يَجْمَعُكُمْ مَعَهُمْ فِيْ الجَنَّةِ}   (وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا عَلَى قَدْرِ وُسْعِه) أي طاقته وقوته  (وَأَنْ يَسْتَحْمِلَ عَلَيْهَا) إذا آذته، بأن < ص 6 > يصبر على إيذائها  (وَيَتَلَطَّفَ بِهَا) بأن يداريها بالمعروف، فإنهن ناقصات عقل ودين. وفي الحديث: {لَوْلاَ أَنَّ اللهَ سَتَرَ الْمَرْأَةَ بِالْحَيَاءِ لَكَانَتْ لاَ تُسَاوى كَفًّا مِنْ تُرَابٍ}   (وَأَنْ يُسْلِكَهَا سَبِيْلَ الْخَيْرِ) قال الرملي في عمدة الرابح: "ليس له ضربها على ترك الصـلاة  أي بل يقتصر على الأمر، كما قاله عطية"  (وَأَنْ يُعَلِّمَهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيْ الدِّيْنِ، مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ)  كالغسل من الحيض والجنابة، وكالوضوء والتيمم  (وَالْحَيْضِ) أي من كل ما يتعلق به، فالذي لا بد من إرشاد النساء إليه في الحيض بيان الصلوات التي تقضيها، فإنها مهما انقطع دمها قبيل المغرب بمقدار ركعة فعليها قضاء الظهر والعصر، وإذا انقطع قبيل الصبح بمقدار ركعة فعليها قضاء المغرب والعشاء. وهذا أقل ما يراعيه النساء. كذا في الإحياء  (وَالْعِبَادَاتِ) أي فرضها وسننها، من صلاة وزكاة وصوم وحج. فإن كان الرجل قائما بتعليمها، فليس لها الخروج لسؤال العلماء. وإن قصر علم الرجل، ولكن ناب عنها في السؤال فأخبرها بجواب المفتي، فليس لها الخروج، فإن لم يكن ذلك فلها الخروج للسؤال، بل عليها ذلك، ويعصى الرجل بمنعها. ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها فليس لها أن تخرج إلى مجلس علم إلا برضاه.
      (قَالَ اللهُ تَعَالَى) في سورة التحريم  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي أقرّوا بالإيمان  (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ) أي من النساء والأولاد وكل من يدخل في هذا لإسم  (نَارًا. قَالَ) ترجمان القرآن سيدنا عبد الله  (ابْنُ عَبَّاسٍ) في معنى ذلك  (فَقِّهُوْهُمْ) أي علموهم شرائع الإسلام  (وَأَدِّبُوْهُمْ) أي علموهم محاسن الأخلاق. وقيل: {أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ جَهِلَ أَهْلُهُ}.   
      (وَعَنْ) سيدنا عبد الله  (ابْنِ عُمَرَ) رضي الله عنهما  (عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّكُمْ رَاعٍ) أي حافظ مؤتمن ملتزم لصلاح ما ائتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه  (وَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) في الآخرة، فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر، وإلا طالبه كل أحد منهم بحقه في الآخرة  (فَالإِمَامُ) الأعظم أو نائبه  (رَاعٍ) فهو ولي عليهم  (وَ) هو  (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل راعى حقوقهم أوْلا ؟  (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ) أي زوجته وغيرها  (وَ) هو  (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل وفاهم حقوقهم، من كسوة ونفقة وغيرهما كحسن عِشْرةٍ  أوْلا ؟  (وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا) بحسن تدبير المعيشة، والنُصْح له، والشفقة، والأمانة، وحفظ نفسها، وماله وأطفاله  (وَ) هي  (مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) هل قامت بما عليها أوْلا ؟  (وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ) بحفظه، والقيام بمصالحه  (وَ) هو  (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل وفى بما عليه أوْلا ؟  (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ) بحفظه وتدبير مصلحته  (وَ) هو  (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل وفى بذلك أوْلا ؟  (فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه) والفاء جواب شرط محذوف. ودخل في هذا العمومِ المنفردُ الذي لا زوج له ولا خادم، فإنه يصدق عليه أنه راعٍ في جوارحه، حتى يعمل المأمورات، ويجتنب المنهيات. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبوداود والترمذي

'Uqud al Lujayn


شرح عقود اللجين

في بيان حقوق الزوجين

لمحمد بن عمر بن على نووي
البنتني الجاوي

بسم الله الرحمن الرحيم

     قال الفقيرُ إلى رحمة الربّ الغفّار محمدٌ المعترف بالأوزار، بصره الله عيوبَ نفسه، وجعل يومه خيرا من أمسه: الحمد لله كما ينبغى له. والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ، وآلهِ، وصحبهِ عددَ كل معلومٍ له.
     (أما بعد): فهذا شرحٌ طلبه مني بعضُ المحبين على الرسالة المتعلقة بأمور الزوجين التى صنّفها بعضُ الناصحين، وسميتُها: "عُقُوْدَ اللُّجَيْنِ فِيْ بَيَانِ حُقُوْقِ الزَّوْجَيْنِ"، وأرجو من الله تعالى الإعانةَ، والإخلاصَ، والقبولَ، والنفعَ به بجاه سيدنا محمدٍ، وأزواجهِ وذريتهِ وحزبه، وأهديتُ ذلك للوالدين راجيا من الله تعالى  غفران ذنوبهما، وارتفاع درجاتهما، إته تعالى واسعُ المغفرةِ  وأرحمُ الراحمين.
     قال المصنف، شكر الله سعْيَه: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم) اعلم: أن البسملة كثيرةُ البركة، من ذكَرها حصل له المأمولُ، ومن واظب عليها حظى بالقبول، قيل: إن الكتب المنزلة من السماء إلى الأرض مائة وأربعةٌ: صُحُف شيث ستون، وصحفُ إبراهيم ثلاثون، وصحفُ موسى قبل التوراة عشرةٌ، والتوراةُ، والإنجيلُ، والزبورُ، والفرقانُ. ومعانى كل الكتب مجموعةٌ في القرآن، ومعانى القرآن مجموعةٌ في الفاتحة، ومعانى الفاتحة مجموعةٌ فى البسملة، ومعانى البسملة مجموعة فى بائها. وكان بعضُ العلماء الصالحين أصابه مرضٌ شديدٌ أعجز الأطباءَ، فتفكّر في بعض الأعيان تلك العبارة، فواظب على البسملة من غير عددٍ محصورٍ، فشفاه الله تعالى ببركتها.
     {وحكي}: أن امرأةً كان له زوج منافقٌ، وكانت تقول على كل شيئ من قول أوفعل: "بسم الله"، فقال زوجها: "لأفعلنّ ما أخجلها به"، فدفع إليها صُرّةً، وقال: "احفظيها"، فوضعتْها في محلٍّ وغطتْها، فغافلها وأخذ الصرةَ ورماها في بئرٍ في داره، ثم طلبها منها، فجاءت إلى محلها، وقالت: "بسم الله الرحمن الرحيم"، فأمر الله تعالى جبريلَ عليه السلام أن ينزل سريعا ويُعيد الصُرّةَ إلى مكانها، فوضعت يدها لتأخذها، فوجدتها كما وضعَتْ، فأخذتها وناولتْها إلى زوجها، فتعجّب من ذلك غايةَ التعجّب، وتاب إلى الله تعالى من نفاقه.
     (الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا نَسْتَفْتِحُ بِهِ الْخَيْرَاتِ) أي نطلب بذلك الحمد الفتحَ للخيرات (وَالنُّصْرَةَ عَلَى تَحْصِيْلِ) الفاضلات (النَّفَحَاتِْ) أي نطلب بذلك الحمد الفتحَ للعطايا والنصرةَ على تحصيلها (وَالصَّلاَةُ) أي رحمةُ الله المقرونةُ بالتعظيم للأنبياء، ومطلقُ الرحمة لغيرهم، والدعاءُ بخيرٍ من العباد (وَالسَّلاَمُ) أي تحيةُ الله العُظمَى، وهو تعظيم للأنبياء  كما يُحَيّى أحدُنا ضيفَه وطلب العباد لذلك (عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْبَرِيَّاتِْ) أي رئيس المخلوقات (وَعَلَى آلِهِ) أي أتباعه على الإيمان ولوعُصاةً < ص 3 > (وَصَحْبِهِ) وهم المجتمعون بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين ولولحظةً (الأَئِمَّةِ) أي الْمُقتَدَى بهم فى أمور الدين (الثِّقَاتِْ) فيها.
     (أَمَّا بَعْدُ) أي بعد البسملة والحمدلة والصلاة والسلام: (فَهَذِهِ) أي الحاضرة في الذهن (رِسَالَةٌ) أي كتاب صغير جدا (مُهِمَّةٌ) مُحْزِنةٌ للقلوب (رَتَّبْتُهَا) أي هذه مقسومةً (عَلَى أَرْبَعَةِ فُصُوْلٍ) أي أفراز (وَخَاتِمَةٍ) وهي ما تُذكر لإفادة ما يتعلق بالمقصود، وكأن ذلك التعلق تعلق اللاحق بالسابق، وهو التعلق من حيث التكميلُ، وزيادةُ التوضيح:
     (الفَصْلُ الأَوَّلُ: فِيْ) بيان (حُقُوْقِ الزَوْجَةِ) الواجبة (عَلَى الزَوْج) وهي حُسْن العِشْرة، ومؤْنةُ الزوجة ومهْرُها، والقَسْم، وتعليمُها ما تحتاج إليه من فروض العبادات وسننها ولو غيرَ مؤكَّدة، ومما يتعلق بالحيض، ومن وجوب طاعته فيما ليس بمعصية.
     (الفَصْلُ الثَّانِيْ: فِيْ) بيان (حُقُوْقِ الزَّوْجِ) الواجبة (عَلَى الزَّوْجَةِ) وهي طاعة الزوج في غير معصية، وحسن المعاشرة، وتسليم نفسها إليه، وملازمة البيت، وصيانة نفسها من أن توطئ فراشه غيره، والإحتجاب عن رؤية أجنبي لشيء من بدنها ولو وجههل وكفيها، إذ النظر إليهما حرام ولو مع انتفاء الشهوة  والفتنة، وترك  مطالبتها له بما فوق الحاجة ولو علمت قدرته عليه، وتعففها عن تناول ما يكسبه من المال الحرام، وعدم كذبها على حيضها وجودا وانقطاعا.
     (الفَصْلُ الثَالِثُ: فِيْ) بيان (فَضْلِ صَلاَةِ الْمَرْأَةِ فِيْ بَيْتِهَا وَفِيْ أَنَّهَا) أي صلاة المرأة في بيتها (أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). قال صلى الله عليه وسلم: {أَقْرَبُ مَا تَكُوْنُ الْمَرْأَةُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا إِذَا كَانَتْ فِيْ قَعْرِ بَيْتِهَا وَإِنَّ صَلاَتَهَا فِيْ صُحْنِ دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ الْمَسْجِدِ، وَصَلاَتَهَا فِيْ بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ صُحْنِ دَارِهَا، وَصَلاَتَهَا فِيْ مُخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاَتِهَا فِيْ بَيْتِهَا}. والمخدع بضم الميم: بيت في بيت، وذلك للستر.
     (الفَصْلُ الرَابِعُ: فِيْ) بيان (حُرْمَةِ نَظَرِ الرَجُلِ إِلَى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ وَالْعَكْسِ) أي نظرهن إليه، فما يحرم رؤيته على الرجل يحرم رؤيته على المرأة منه. والمراهق في ذلك كالرجل، فيلزم وليه منعه من النظر إلى الأجنبية، ويلزمها الإحتجاب منه. وكالمرأة في ذلك الأمردُ الجميلُ الوجهِ، كذا في النهاية للشيخ محمد المصري (وَ) في (مَا وَقَعَ فِيْهِ) أي النظر (مِنَ الزَجْرِ) أي المنع من الكتاب والأحاديث.
     ويحرم على الرجل ولو مجبوبا وخصيا وعنينا ومخنثا وهمًّا نظره إلى أجنبية مشتهاة حتى إلى وجهها وكفيها ظهرا وبطنا، وهو المفتي به، لكن نقل عن الأكثرين حل النظر إلى ذلك. أما نظرُ الرجل إلى زوجته وأمته في حال حياة كلٍّ منهما فجائزٌ ولو مع وجود مانع من الإستمتاع قريب الزوال كحيض ورهن، لكن يكره نظر الفرج حتى من نفسه بلا حاجة، بخلاف المانع البطىء الزوال كأن اعتدت الزوجة عن شبهة، فيحرم النظر إلى ما بين سرّتها وركبتها، دون غيره كالمحارم والأمة المزوّجة. أما النظر لإجل النكاح، فيجوز إلى الوجه والكفين فقط من الحرة، وإلى ما عدا ما بين السرة والركبة من الأمة. ويجوز  النظر إلى الأجنبية في الوجه فقط للشهادة والمعاملة، وإلى الأمة عند شرائها فيما عدا العورة من ظاهر البدن.
     ويجوز النظر إلى الأجنبية ومسّها للمداواة في المواضع التي يحتاج إليها ولو فرجا، بشرط حضور من يمنع الخلوة من محرم ونحوه، وبشرط فقد جنس معالج، ويجوز النظر إليها أيضا لتعليم الواجب فقط عليها كما قاله السبكي وغيره، وذلك عند فقد من يعلمها  من المحارم والنساء، قياسا على المداواة، وعند تعسر التعليم من وراء حجاب. ولا يجوز النظر إليها لأجل تعليم المندوب، بخلاف الأمرد، فيجوز النظر إليه لأجله. كذا في شرح النهاية للشيخ المصري على الغاية لأبي شجاع.

{الفَصْلُ الأَوَّلُ فِيْ) بيان  (حُقُوْقِ الزَوْجَةِ) الواجبة  (عَلَى الزَوْجِ}
     (قَالَ اللهُ تَعَالَى) في سورة النساء:  (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)  أي بالعدل في المبيت، والنفقة، وبالإجمال في القول  (وَقَالَ) في سورة البقرة:  (وَلَهُنَّ)  على الأزواج  (مِثْلُ الَّذِي) لهم  (عَلَيْهِنَّ) من الحقوف في الوجوب، واستحقاق المطالبة عليها، لا في الجنس  (بِالْمَعْرُوفِ) أي بما يُستَحْسَن شرعًا من حُسْن العِشْرَةِ، وتركِ الضرر منهم ومهن. قال ابن عباس رضي الله عنهما: معنى ذلك "إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَتَزَيَّنَ لاِمْرَأَتِيْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لِيْ"  (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) أي فضيلةٌ في الحق من وجوب طاعتهن لهم لما دفعوه إليهن من المهر، ولإنفاقهم في مصالحهن. < ص 4 >
     (رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِيْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ) أي آخر حجه صلى الله عليه وسلم، وهو حجة الجمعة  (بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللهَ) تعالى  (وَأَثْنَىْ عَلَيْهِ وَوَعَظَ) الحاضرين  (ألاَ) أي تنبهوا يا قوم لما يلقى إليكم  (وَاسْتَوْصُوا بالنّسَاءِ خَيْراً)  الباء للتعدية أي اقبَلوا وصيتي فيهنّ، واعمَلوا بها، وارفقوا بهنّ، وأحسنوا عِشْرتهنّ، فإن الوصية بهنّ آكدُ لضعفهنّ، واحتياجهنّ إلى من يقوم بأمرهنّ. وفي نصب "خيرا" وجهان، أحدهما: أنه مفعول "استوصوا"، لأن المعنى: افعلوا بهن خيرا. والثاني: معناه: اقبلوا وصيتي وائتوا خيرا، فهو منصوبٌ بفعلٍ محذوف كقوله تعالى: {وَلاَ تَقُوْلُوْا ثَلاثَةٌ انْتَهُوْا خَيْراً لَكُمْ}  أي انتهوا عن ذلك، وائتوا خيرا  (فإنّمَا هُنّ عَوَان)  أي أسيرات  (عِنْدَكمْ) فعوان بالنون المكسورة جمعُ عانية، وهي بصيغة  منتهى الجموع، وإنما قيل للمرأة عانيةٌ، لأنها محبوسة كالأسير عند الزوج. وفي لفظ: {فَإنَّهُنَّ عوَار}  بالراء جمع عارية ' فإن الرجال أخذوهنّ بأمانة الله  (لَيْسَ) أي الشأن  (تَمْلِكُونَ مِنْهُنّ شَيْئاً غَيْرَ ذَلِكَ) أي الخير  (إلاّ أَنّ يَأْتِيْنَ بِفَاحِشَةٍ) أي نشوز  (مُبَيّنَةٍ) أي ظاهرة، بأن ظهرت أماراته  (فَإِنْ فَعَلْنَ) بأن أظهرْنَ النشوز  (فَاهجُرُوهُنّ في المضَاجِعِ) أي اعتزلوهن في الفراش، واتركوا مضاجعتهن أي النوم معهن. وهذا الهجر لا غاية له، لأنه لحاجة صلاحها، فمتى لم تصلح فالهجر باقٍ وإن بلغ سنين، ومتى صلحت فلا هجر. وعن بعض العلماء غاية الهجر شهر  (وَاضْرِبُوهُنّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرّحٍ) وهو الذي لا يكسر عظما، ولا يشين عضوا أي ضربا غير شديد، وذلك إن لم يرجهن بالهجران  (فَإنْ أطَعْنَكُمُ) فيما يراد منهن  (فَلاَ تَبْغُوا) أي لا تطلبوا  (علَيْهِنّ سَبِيلاً) أي طريقا إلى ضربهن ظلما، واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنبَ له  (أَلاَ) أي تنبهوا  (إنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّاً، وَلِنسَائِكمْ عَلَيْكُمْ حَقاً. فَحَقُكّمْ عَلَيْهِنَّ فَلاَ يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُوْنَ ولاَ يَأْذَنّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُوْنَ. ألاَ وحَقهُنّ عَلَيْكُمْ أنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنّ فِي كِسْوَتِهِنّ وطَعَامِهِنَّ) روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه.
      (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلىَ الزَّوْجِ) أي من حقها عليه  (أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَيَكْسُوْهَا إِذَا اكْتَسَىْ وَلاَ يَضْرِب الْوَجْهَ) أي عند نشوزها  (وَلاَ يُقَبِّح) بتشديد الموحدة مكسورة أي لا يُسْمِعْها مكروها، ولا يقلْ: "قبّحَكِ اللهُ"  (وَلاَ يَهْجُر) وفي رواية: "وَلاَ يَهْجُرْهَا"  (إِلاَّ فِيْ المْبَِيْتِ) أي في المضجع عند النشوز، أما الهجر في الكلام فإنه حرام إلا لعذر. رواه الطبراني والحاكم عن معاوية بن حيدة بفتح المهملة.
      (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيمُّاَ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلىَ مَا قَلَّ مِنَ المَْهْرِ أَوْ كَثُرَ لَيْسَ فِيْ نَفْسِهِ) أي قلبه  (أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهَا حَقَّهَا خدعها فَمَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهَا حَقَّهَا لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ}  أي آثم  (الْحَدِيْثَ) أي اقرأ الحديث. رواه الطبراني.
      (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنِينَ إِيمانَاً أحْسَنُهُمْ خُلُقاً) بفعل الفضائل وترك الرذائل  (وألْطَفُهُمْ) أي أرفقهم وأبرّهم  (بِأَهْلِهِ) أي من نسائه وأولاده وأقاربه. رواه الترمذي والحاكم عن عائشة. 
      (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ) أي حلائله وبنيه وأقاربه  (وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِيْ) رواه ابن حبان. وقال عليه السلام: {خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنِسَائِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِنِسَائِيْ}.
      (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَبَرَ عَلىَ سُوْءِ خُلُقِ امْرَأَتِهِ أَعْطَاهُ اللهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَا أَعْطَى أَيُّوْبَ عَلَى بَلاَئِهِ) فالله ابتلاه بأربعة أمور: فقْدِ ماله، وولدهِ، وتمزيقِ جسدهِ، وهجْرِ جميعِ الناس له إلا زوجته، فإنه كان له من أصناف المالِ إبلٌ وبقر وغنم وفِيَلَةٌ وحُمُرٌ، وكان له خمسمائة فَدَّانٍ يتبعها خمسُمائةِ عبد، لكل عبد امرأةٌ وولد ومال، وكان معه ثلاثة نفر قد آمنوا به، وكانوا كُهُوْلا، وكا إبليس لا يحجب عن شيء من السموات، فيقف فيهن حيثما أراد، فسمع صلاة الملائكة على أيوب، فحسده، وقال: "إلهي نظرت في عبدك أيوبَ، فوجدته شاكرا حامدا، ألا ولو ابتليته لرجع عن شكرك وطاعتك"، فقال الله له: "انطلق فقد سلطتُك على ماله"، فانطلقَ وجميعُ عفاريت الشياطين والجن، وقال لهم: "قد سلطت على مال أيوب"، وقال لعفريت منها: "ائت الإبل ورعاتها، فاحرقها". ثم جاء إبليس إلى أيوب، فوجده قائما يصلى، فقال له: "أحرقت النار إبلَكَ ورعاتها"، فقال أيوب: "الحمد لله، هو أعطانيها، وهو آخذها". ثم فعل مثل ذلك بالغنم ورعاتها. ثم جاء إلى أيوب، وقال له: "نسفت الريح زرعك"، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال إبليس: "سلطني على ولده"، فقال له: "انطلق، قد سلطتك على ولده"، فذهب إلى ولده، وزلزل بهم القصر، وقلبه عليهم فماتوا جميعا، ثم جاء إلى أيوب وأخبره بموت ولده، فاستغفر. ثم قال: "سلطني على جسده"، فقال: < ص 5 > "سلّطتُك على جسده، غير قلبه ولسانه وعقله"، فذهب إلى أيوب فوجده ساجدا، فجاء من قبل وجهه، ونفخ في منخريه نفخة اشتعل منها جسده، ووقع فيه حكة، فحكها بأظفاره حتى سقطت كلها، ثم حكها بالمسوح الخشنة، ثم بالفخار والحجارة، فلم يزل يحكها حتة تقطع جسده وأنتن، فأخرجه أهل القرية، وجعلوه على كناسة لهم، وجعلوا له عريشا، وهجره الناس كلهم إلا زوجته المسماة رحمة، فكانت تخدمه بما يصلحه، وتأتيه بالطعام. وهجره الثلاثة الذين آمنوا ولم يتركوا دينهم.
     وروي: {أنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَشْكُوْ إِلَيْهِ خُلُقَ زَوْجَتِهِ، فَوَقَفَ بِبَابِهِ يَنْتَظِرُهُ، فَسَمِعَ امْرَأَتَهُ تَسْتَطِيْلُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهَا، وَهُوَ سَاكِتٌ لاَ يَرُدُّ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفَ الرَجُلُ قَائِلاً: إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَكَيْفَ حَالِيْ ؟. فَخَرَجَ عُمَرُ فَرآهُ مُدْبِرًا فَنَادَاهُ، مَا حَاجَتُكَ ؟. فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، جِئْتُكَ أَشْكُوْ إِلَيْكَ خُلُقَ زَوْجَتِيْ وَاسْتِطَالَتِهَا عَلَيَّ، فَسَمِعْتُ زَوْجَتَكَ كَذَلِك َ، فَرَجَعْتُكَ وَقُلْتُ: إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَكَيْفَ حَالِيْ ؟. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ياَ أَخِيْ إنّيْ احْتَمَلْتُهَا لِحُقُوْقٍ لَهَا عَلَيَّ، إنَّهَا طَبَّاخَةٌ لِطَعَامِيْ، خَبَّازَةٌ لِخُبْزِيْ، غَسَّالَةٌ لِثِيَابِيْ، مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِيْ. وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَيَسْكُنُ قَلْبِيْ بِهَا عَنِ الحَرَامِ، فَأَنَا احْتَمَلْتُهَا لِذَلِكَ، فَقَالَ الرَجُلُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَكَذَلِكَ زَوْجَتِيْ. قَالَ
عُمَرُ: فَاحْتَمِلْهَا يَا أَخِيْ، فَإِنَّمَا هِيَ مُدَّةٌ يَسِيْرَةٌ}.
     (وَمَنْ صَبَرَتْ عَلَى سُوْءِ خُلُقِ زَوْجِهَا أَعْطَاهَا اللهُ مِثْلَ ثَوَابِ آسِيَةَ امرَأَةِ فِرْعَوْنَ) وهي بنت مزاحم، وذلك أن موسى عليه السلام لما غلب السَحَرَةَ آمنتْ به آسيةُ، فلما تبين لفرعون إيمانُها دق ليديها ورجليها أربعة أوتاد في الأرض، وشبحها فيها كلَّ عضوٍ بحبل، وجعَلَها في مقابلة الشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلَّتْها الملائكةُ، وأمر فرعون بصخرة عظيمة لتلقى عليها، فلما أتوها بالصخرة، قالت: "ربِّ ابْنِ لِيْ عِنْدَكَ بَيْتًا فِيْ الْجَنَّةِ"، فأبصرتْ البيت َ من مرمرة بيضاءَ، فا نتزعتْ روحها، فأُلْقِيَت الصخْرةُ على جسد لا روح فيه ولم ألَمًا.
      (قَالَ سَيِّدُنَا) أي أكرمنا  (الْحَبِيْبُ) أي المحبوب السيد  (عَبْدُ اللهِ الْحَدَّاد) صاحب الطريقة المشهورة، والأسرار الكثيرة. فاصطلاح بعض أهل البلاد أن ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ذكرا يقال له: "حبيب"، وإن كانت أنثى يقال لها: "حبابة"، واصطلاح الأكثر يقال  له: "سيد وسيدة".  (الرَجُلُ الْكَامِلُ) أي في دينه  (هُوَ الَّذِيْ يُسَامِحُ) أي يساهل  (فِيْ حُقُوْقِهِ) كالزينة  (وَلاَ يُسَامِحُ فِيْ حُقُوْقِ اللهِ تَعَالَى) كالصلاة ووصل الشعر فذلك حرام  (وَالرَّجُلُ النَّاقِصُ هُوَ الَّذِيْ يَكُوْنُ عَلَى الْعَكْسِ) بأن يتسع في حقوق الله تعالى، ولا يتسع في حقوق نفسه.
     كان لبعض الصالحين أخ صالح يزوره كل سنة مرة، فجاء مرة لزيارته فدق بابه، فقالت زوجته: "من هذا ؟"، فقال: "أخو زوجك في الله، جاء لزيارته"، فقالت: "ذهب يحتطب، لا ردّه الله"، وبالغت في سبه. فبينما هو كذلك، وإذا بأخيه قد حمل الأسد حزمةَ حطبٍ وهو مقبل به، ثم أنزل الحطب عن ظهر الأسد، وقال: "إذهب، بارك الله فيك"، ثم أدخل أخاه بعد التسليم عليه والترحيب به، فأطعمه. ثم ودعه وانصرف على غاية العجب من صبره عليها، وعدم جوابه في سبها. ثم جاء أخوه في العام الثاني، فدق الباب، فقالت امرأة: "من هذا ؟"، قال: "أخو زوجك، جاء يزوره"، قالت: "مرحبا"، وبالغت في الثناء عليه وعلى زوجها، وأمرتْه بانتظاره. فجاء أخوه والحطب على ظهره، فأدخله وأطعمه. فلما أراد مفارقته، سأله عما رأى من تلك وهذه، ومن حمل الأسد حطبه، فقال: "يا أخي، توفيت تلك الشرسة، وكنت صابرا على شؤمها، فسخّر الله تعالى لي الأسد لصبري عليها، ثم تزوّجت هذه الصالحة، وأنا في راحة معها، فانقطع عني الأسد، فاحتجت أن أحمل الحطب على ظهري لأجل راحتي مع هذه الصالحة.
     يجوز للزوج أن يضرب زوجته على ترك الزينة وهو يريدها، وتركِ الإجابة إلى الفراش، وأن يضربها على الخروج من المنزل بغير إذنه، وعلى ضربها الولد الذي لا يعقل عند بكائه، أو على شتم أجنبي، وعلى تمزيق ثياب الزوج، وأخذ لحيته، وقولها له: "يا حمار، يا بليد" وإن شتمها قبل ذلك، وعلى كشف وجهها لغير محرم، أو تكلمها مع أجنبي، أو تكلمها مع الزوج ليسمع الأجنبي صوتها، أو إعطائها من بيته ما لم تجر العادة بإعطائه، وعلى امتناعها من الوصل. وفي ضربها على ترك الصلاة قولان، أصحهما: له ضربها على ذلك، إذا لم تفعل بالأمر.
      (وَاعْلَمْ أَنَّهُ) أي الشأن  (يَنْبَغِيْ) أي يطلب  (لِلرَّجُلِ أَنْ يُوْصِيَ امْرَأَتَهُ) أي يأمرها،  ويُذكّرها ويستعطف بها. وفي الحديث: {رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَالَ: يَا أَهْلاَه، صَلاَ تَكُمْ، صِيَامَكُمْ، زَكَاتَكُمْ، مِسْكِيْنَكُمْ، يَتِيْمَكُمْ، جِيْرَانَكُمْ، لَعَلَّ اللهَ يَجْمَعُكُمْ مَعَهُمْ فِيْ الجَنَّةِ}   (وَأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا عَلَى قَدْرِ وُسْعِه) أي طاقته وقوته  (وَأَنْ يَسْتَحْمِلَ عَلَيْهَا) إذا آذته، بأن < ص 6 > يصبر على إيذائها  (وَيَتَلَطَّفَ بِهَا) بأن يداريها بالمعروف، فإنهن ناقصات عقل ودين. وفي الحديث: {لَوْلاَ أَنَّ اللهَ سَتَرَ الْمَرْأَةَ بِالْحَيَاءِ لَكَانَتْ لاَ تُسَاوى كَفًّا مِنْ تُرَابٍ}   (وَأَنْ يُسْلِكَهَا سَبِيْلَ الْخَيْرِ) قال الرملي في عمدة الرابح: "ليس له ضربها على ترك الصـلاة  أي بل يقتصر على الأمر، كما قاله عطية"  (وَأَنْ يُعَلِّمَهَا مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيْ الدِّيْنِ، مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ)  كالغسل من الحيض والجنابة، وكالوضوء والتيمم  (وَالْحَيْضِ) أي من كل ما يتعلق به، فالذي لا بد من إرشاد النساء إليه في الحيض بيان الصلوات التي تقضيها، فإنها مهما انقطع دمها قبيل المغرب بمقدار ركعة فعليها قضاء الظهر والعصر، وإذا انقطع قبيل الصبح بمقدار ركعة فعليها قضاء المغرب والعشاء. وهذا أقل ما يراعيه النساء. كذا في الإحياء  (وَالْعِبَادَاتِ) أي فرضها وسننها، من صلاة وزكاة وصوم وحج. فإن كان الرجل قائما بتعليمها، فليس لها الخروج لسؤال العلماء. وإن قصر علم الرجل، ولكن ناب عنها في السؤال فأخبرها بجواب المفتي، فليس لها الخروج، فإن لم يكن ذلك فلها الخروج للسؤال، بل عليها ذلك، ويعصى الرجل بمنعها. ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها فليس لها أن تخرج إلى مجلس علم إلا برضاه.
      (قَالَ اللهُ تَعَالَى) في سورة التحريم  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي أقرّوا بالإيمان  (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ) أي من النساء والأولاد وكل من يدخل في هذا لإسم  (نَارًا. قَالَ) ترجمان القرآن سيدنا عبد الله  (ابْنُ عَبَّاسٍ) في معنى ذلك  (فَقِّهُوْهُمْ) أي علموهم شرائع الإسلام  (وَأَدِّبُوْهُمْ) أي علموهم محاسن الأخلاق. وقيل: {أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ جَهِلَ أَهْلُهُ}.   
      (وَعَنْ) سيدنا عبد الله  (ابْنِ عُمَرَ) رضي الله عنهما  (عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّكُمْ رَاعٍ) أي حافظ مؤتمن ملتزم لصلاح ما ائتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه  (وَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) في الآخرة، فإن وفى ما عليه من الرعاية حصل له الحظ الأوفر، وإلا طالبه كل أحد منهم بحقه في الآخرة  (فَالإِمَامُ) الأعظم أو نائبه  (رَاعٍ) فهو ولي عليهم  (وَ) هو  (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل راعى حقوقهم أوْلا ؟  (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ) أي زوجته وغيرها  (وَ) هو  (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل وفاهم حقوقهم، من كسوة ونفقة وغيرهما كحسن عِشْرةٍ  أوْلا ؟  (وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا) بحسن تدبير المعيشة، والنُصْح له، والشفقة، والأمانة، وحفظ نفسها، وماله وأطفاله  (وَ) هي  (مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) هل قامت بما عليها أوْلا ؟  (وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ) بحفظه، والقيام بمصالحه  (وَ) هو  (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل وفى بما عليه أوْلا ؟  (وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ) بحفظه وتدبير مصلحته  (وَ) هو  (مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) هل وفى بذلك أوْلا ؟  (فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه) والفاء جواب شرط محذوف. ودخل في هذا العمومِ المنفردُ الذي لا زوج له ولا خادم، فإنه يصدق عليه أنه راعٍ في جوارحه، حتى يعمل المأمورات، ويجتنب المنهيات. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبوداود والترمذي
      (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهَ اللهَ) منصوب بفعل محذوف وجوبا لوجود التأكيد أي اتقوا الله  (فِيْ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ أَمَانَاتٌ عِنْدَكُمْ، فَمَنْ لَمْ يَأْمُرْ امْرَأَتَهُ بِالصَّلاَةِ وَلَمْ يُعَلِّمْهَا) أي أمور الدين  (فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ) وكان آخر ما وصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثلاثا، تكلم بهن حتى تلجْلَجَ لسانه وخفي كلامه، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: {الصَّلاَةَ الصَّلاَةَ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، لاَ تُكَلِّفُوْهُمْ مَا لاَ يُطِيْقُوْنَ. اللهَ اللهَ فِيْ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُنَّ عَوَان}  أي أسراء {في أيديكم أَخَذْتُمُوْهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوْجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ}.
      (وَقَالَ تَعالىَ) في سورة طه (وَ اْمُرْ أَهْلَكَ) أي أهل بيتك، وأهل دينك أي أتباعك  (بالصَّلاَةِ) أي الصلوات الخمس.
      (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَلْقَى اللهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أَحَدٌ بِذَنْبٍ أَعْظَمَ مِنْ جَهَالَةِ أَهْلِهِ) ويقال: أول ما يتعلق بالرجل يوم القيامة أهله وأولاده، ويقولون: ياربنا خذلنا حقنا من هذا الرجل، فإنه لم يعلمنا أمور ديننا، وكا يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم، فيضرب على كسب الحرام حتى يتجرّد لحمه، ثم يذهب به إلى النيران. كذا في الجواهر للشيخ أبي الليث السمرقندي.

{الفَصْلُ الثَّانِيْ فِيْ حُقُوْقِ الزَّوْجِ) الْوَاجِبَةِ (عَلَى الزَّوْجَةِ}
     (قَالَ اللهُ تَعَالَى) في سورة النساء  (الرِّجَالُ قَوَّامُوْنَ عَلَى النِّسَاءِ) أي مسلطون على تأديبهن (بِمَا فَضَّلَ اللهُ) به (بَعْضَهُمْ) أي الرجال (عَلَى بَعْضٍ) أي النساء (وَبِمَا أَنفَقُواْ) أي عليهن (مِنْ أَمْوَالِهِمْ) في نكاحهن كالمهر والنفقة. < ص 7 >
     قال المفسرون: تفضيل الرجال عليهن من وجوه كثيرة، حقيقية وشرعية. فمن الأول أن عقولهم وعلومهم أكثر، وقلوبهم على الأعمال الشاقة أصبر، وكذلك القوة والكتابة غالبا، والفروسية، وفيهم العلماء، والإمامة الكبرى والصغرى، والجهاد والأذان والخطبة والجمعة والإعتكاف والشهادة في الحدود والقصاص والأنكحة ونحوها، وزيادة الميراث والتعصيب، وتحمل الدية، وولاية النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج، وإليهم الإنتساب. ومن الثاني عطية المهر والنفقة ونحوهما. كذا في الزواجر لابن حجر (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ) أي مطيعات لأزواجهن (حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ) أي لما يجب عليها حفظه أي حال غيبة أزواجهن من الفروج وأموال الزوج وسرّه وأمتعة بيته (بِمَا حَفِظَ اللهُ) أي بحفظ إياهن وبتوفيقه لهن، أو بالوصية منه تعالى عليهن، أو بنهيهنّ عن المخالفة. وعن أب هريرة رضي الله تعالى عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ، وَإِذَا أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ، وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِيْ مَالِكَ وَنَفْسِهَا} (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ) أي تظنون (نُشُوزَهُنَّ) أي بغضهن لكم ورفع أنفسهن عليكم تكبرا (فَعِظُوهُنَّ) أي فخوّفوهن الله، وهو مندوب كأن يقول الرجل لزوجته: اتقي اللهَ في الحق الواجب لي عليكِ، واحذري العقوبة، ويبين أن النشوز يسقط النفقة والقسم، وذلك بلا هجر ولا ضرب، فلعلها تبدى عذرا، أو تتوب عما جرى منها بغير عذر. ويستحب أن يذكّر لها ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: {إِذَا بَاتَتِْ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتّى تُصْبِحَ}، وما في الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: {أَيّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتِْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا، دَخَلَتِْ الْجَنّةَ}. كذا في شرح النهاية على الغاية (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) أي اعتزلوهن في الفراش دون الهجر في الكلام، ولا يضربها، لأن في الهجر أثرا ظاهرا في تأديب النساء (وَاضْرِبُوهُنَّ) ضربا غير مبرّح إن أفاد الضرب، وإلا فلا ضرب. ولا يجوز الضرب على الوجه والمهالك، بل يضرب ضرب التعزير. والأولى له العفو، بخلاف ولي الصبي، فالأولى له عدم العفو لأن ضربه للتأديب مصلحة له، وضرب الرجل زوجته مصلحة لنفسه. حمل الوعظ في هذه الآية على حالة عدم التحقق، والهجر على التحقق من غير تكرر، والضرب على ما إذا تكرر النشوز. هو ما صححه الرافعي، لكن صحح النووي جواز الضرب وإن لم يتكرر النشوز إن أفاد الضرب. وتقدير الآية عليه: واللاتي تخافون نشوزهن، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن. فمعنى تخافون حينئذ تعلمون. وخرج بالعلم بالنشوز ما إذا ظهرت أماراته، إما بقول كأن صارت تجيبه بلام خشن بعد أن كان بليّنٍ، وإما بفعل كأن يجد منها إعراضا وعبوسا بعد تلطف وطلاقة وجه فإنه يعظها بلا هجر وبلا ضرب (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) أي فيما يراد منهن (فَلاَ تَبْغُواْ) أي تطلبوا (عَلَيْهِنَّ سَبِيْلاً} أي طريقا إلى ضربهن كأن توبخوهنّ على ما مضى، فينجر الأمر إلى الضرب ويعود الخصام، بل اجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.     
     وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ صَبَرَ عَلىَ سُوْءِ خُلُقِ زَوْجَتِهِ أَعْطَاهُ اللهُ تَعَالَى مِثْلَ مَا أَعْطَى أَيُّوْبَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنَ الأَجْرِ وَالثَوَابِ. وَمَنْ صَبَرَتْ عَلَى خُلُقِ زَوْجِهَا أَعْطَاهَا اللهُ تَعَالَى أَجْرَ مَنْ قُتِلَ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ تَعَالَى. وَمَنْ ظَلمَتْ زَوْجَهَا وَكَلَّفَتْهُ مَا لاَ يُطِيْقُ وَآذَتْهُ لَعَنَتْهَا مَلاَئِكَةُ الرَحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ. وَمَنْ صَبَرَتْ عَلَى أَذِيَّةِ زَوْجِهَا أَعْطَاهَا اللهُ تَعَالَى ثَوَابَ آسِيَةَ وَمَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ}. كذا في الجواهر للسمرقندي
     (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ، دَخَلَتِْ الْجَنّةَ} أي مع السابقين أي مع إتيانها ببقية المأمورات وتجنب المنهيات. رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أم سلمة.
     (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا) أي المكتوبات الخمس (وَصَامَتْ شَهْرَهَا) أي رمضان غير أيام الحيض والنفاس إن كان (وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا) أي من وطء غير حليلها (وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا) أي في غير معصية (قِيْلَ لَهَا: ادْخُلِيْ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ) وذلك للإكرام لها. رواه اإمام أحمد.
     (وَجَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ) أي رسولهن (إِلَيْكَ) لأسألك عن نصيبهن من الجهاد (هَذَا الْجِهَادُ كَتَبَهُ اللهُ) أي أوجبه (عَلَى الرِّجَاِل، فَإِنْ يُصَيَّبُوْا) بتشديد الياء المفتوحة ميني للمجهول أي إن أصابهم الجرح (أُجِرُوْا) أي أثيبوا ثوابا عظيما (وَإِنْ قُتِلُوْا) في الجهاد (كَانُوْا أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي ذوى زلفى منه. وروي {أَنَّ اللهَ تَعَالى < ص 8 > يَطَّلِعُ عَلَيْهِْم، وَ يَقُولُ: سَلُوْنِي مَا شِئْتُمْ، فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَبَّنَا كَيْفَ نَسْأَلُكَ، وَنَحْنُ نَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ فِيْ أَيُّهَا شِئْنَا ؟ فَلَمَّا رَأوْا  أَنْ لاَ يُتْرَكُوْا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوْا شَيْئًا قَالُوْا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا إِلَى أَجْسَادِنَا فِيْ الدُّنْيَا نَقْتُلْ فِيْ سَبِيْلِكَ}. وذلك لما رأوا من النعيم. (يُرْزَقُوْنَْ) أي من ثمار الجنة. روى ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: {أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِيْ أَجْوَافِ طُيُوْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الجَنَّةِ، وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَتَأْوِيْ إِلىَ قَنَادِيْلَ مُعَلَّقَةٍ فِيْ ظِلِّ العَرْشِ}  (وَنَحْنُ مَعَاشِرَ النِّسَاءِ نَقُوْمُ عَلَيْهِمْ) أي بالخدمة ونعينهم على ما هم عليه. فقوله: "نحن" مبتدأ، وجملة "نقوم" خبره. وقوله: "معاشر" منصوب على الإختصاص أي أخص معاشر النساء (فَمَا لَنَا مِنْ ذَلِكَ ؟) أي أجر الجهاد بالجرح والقتل (فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْلِغِيْ مَنْ لَقِيْتِ مِنَ النِّسَاءِ، أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاعْتِرَافاً بِحَقِّهِ) أي إقرارا به (يَعْدِلُ ذَلِكَ) أي يماثل الجهاد ويقوم مقامه (وَقَلِيْلٌ مِنْكُنَّ مَنْ يَفْعَلُهُ) أي طاعة الزوج والإعتراف بحقه. رواه البزار والطبراني. قال الله تعالى في سورة النساء: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} أي للرجال ثواب بسبب ما عملوا من الجهاد، وللنساء ثواب مما اكتسبن من حفظ فروجهن وطاعة الله وطاعة أزواجهن، فالرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء، وذلك أن الحسنة تكون بعشر أمثالها، يستوى في ذلك الرجال والنساء، وفضل الرجال على النساء إنما هو في الدنيا. كذا قاله الشربيني في تفسيره.
     (وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُوْلُ: شَرُّ خِصَالِ الرِّجَالِ) أي صفاتهم (خَيْرُ خِصَالِ النِّسَاءِ: الْبُخْلُ) بفتح الباء والخاء المعجمة، أو بضم وسكون، وهو منع السائل مما يفضل   (وَالزَّهْوُ) أي الإعجاب بالنفس (وَالْجُبْنُ) أي ضعف القلب (فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ بَخِيْلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا وَ مَالَ زَوْجِهَا، وَإِذَا كَانَتْ مَزْهُوَّةً) أي متكبرة (اسْتَنْكَفَتْ) أي امتنعت من (أَنْ تُكَلِّمَ) أي المرأة (كُلَّ أَحَدٍ بِكَلاَمٍ لَيِّنٍ مُرِيْبٍ) أي موقع في التهمة (وَإِذَا كَانَتْ جَبَّانَةً) أي ضعيفة القلب. والأفصح: "جَبّان" بدون التاء (فَرِقَتْ ) بكسر الراء أي خافت (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهَا) أي محل إقامتها (وَاتَّقَتْ) أي تجنبت (مَوَاضِعَ التُّهَمِ) أي الظنون (خيْفَةً مِنْ زَوْجِهَا). وقال داود عليه السلام: {المَرْأَةُ السُّوْءُ عَلَى بَعْلِهَا كَالحمل الثَّقِيْلِ عَلَى الشَيْخِ الْكَبِيْرِ. والمَرْأَةُ الصَالِحَةُ كَالتَّاجِ الْمُرَصَّعِ بِالذَهَبِ، كُلّمَا رَآهَا قَرَّتْ عَيْنُهُ بِرُؤْيَتها}.
     (وَيَنْبَغِيْ) أي يطلب لها (أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهَا كَالْمَمْلُوْكَةِ) أي الأمة (لِلزَّوْجِ) وكالأسير العاجز في يد الرجل (فَلاَ تَتَصَرَّفُ) أي تنفق (فِيْ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) أي الزوج (بَلْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَتَصَرَّفُ أَيْضًا فِيْ مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، لأَنَّهَا كَالْمَحْجُوْرَةِ لَهُ) أي إن المرأة لزوجها كالممنوع من تصرف المال لأجل الغرماء.
     (وَيَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ دَوَامُ الْحَيَاءِ مِنْ زَوْجِهَا) وقلة المماراة له (وَغَضُّ طَرْفِهَا) بسكون الراء أي خفض عينها (قُدَّامَه، وَالطَّاعَةُ) أي لزوجها (لأَمْرِه، وَالسُّكُوْتُ عِنْدَ كَلاَمِه، وَالْقِيَامُ عِنْدَ قُدُوْمِهِ) أي مجيئه من السفر (وَخُرُوْجِه) أي من المنزل، وإظهار الحب له عند القرب، وإظهار السر عند الرؤية له (وَعَرْضُ نَفْسِهَا) أي إظهارها (لَهُ) أي الزوج (عِنْدَ)  إرادة (النَّوْمِ، والتَعَطُّرُ) أي طيب الرائحة له (وَتَعَهُّدُهَا الْفَمَ) أي تجديد إصلاحه (بِالْمِسْكِ وَالطِّيْبِ) ونظافة الثوب (وَدَوَامُ الزِّيْنَةِ بِحَضْرَتِه، وَتَرْكُهَا) أي الزينة (عِنْدَ غَيْبَتِهِ) قال الأصمعي: رأيت في البادية إمرأةً عليها قميص أحمرُ، وهي مختضبة، وبيدها سبحة، فقلت: "ما أبعد هذا من هذا ؟"، فقالت من بحر الطويل:
ولله مني جانب لا أضيعه >< وللهو مني والبطالة جانب
فعلمت أنها امرأة صالحة لها زوج تتزين له (وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ لَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ فِيْ فِرَاشِهِ وَمَالِهِ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُطْعِمَ مِنْ بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِلاَّ الرَّطْبَ مِنَ الطَّعَامِ الَّذِيْ يُخَافُ فَسَادُهُ، فَإِنْ أَطْعَمَتْ عَنْ رِضَاهُ كاَنَ لَهَا مِثْلُ أَجْرِهِ، وَإِنْ أَطْعَمَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ لَهُ الأَجْرُ وَعَلَيْهَا الوِزْرُ}. (وَإِكْرَامُ أَهْلِهِ) أي الزوج (وَأَقَارِبِهِ) ولو بالكلام الجميل (وَرُؤْيَةُ الْقَلِيْلِ مِنْهُ) أي الزوج (كَثِيْرًا) وقبولُ فعله بالشكر، ورؤيةُ حاله بالفضل (وَأَنْ لاَ تَمْنَعَ نَفْسَهَا) منه (وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ) بفت القاف والتاء أي سرج البعير، وذلك إذا كان التمتع مباحا، بخلاف غير المباح كوطء حائض أو نفساء قبل لبغسل ولو بعد انقطاع الدم عند الشافعي رضي اللع عنه.
     وقال ابن عباس رضي الله عنهما، سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لَوْ أَنَّ امْرَأَةً جَعَلَتْ لَيْلَهَا قِيَامًا وَ نَهَارَهَا صِيَامًا وَ دَعَاهَا زَوْجُهَا إِلَى فِرَاشِهِ وَ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ سَاعَةً وَاحِدَةً جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ < ص 9 > تُسْحَبُ بِالسَّلاَسِلِ وَ الأَغْلاَلِ مَعَ الشَّيَاطِيْنَ إِلَىْ أَسْفَلِ السَّافِلِيْنَ}.
     ويحرم وطء زوجته بحضرة أجنبي أو أجنبية. ويستحب للمجامع أن يبدأ باسم الله تعالى، ويقرأ: "قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد" أولا، ويكبر ولا يهلل، ويقول: باسم الله العلي العظيم، اللهم اجعل النطفة ذرية طيبة، إن كنت قدرت أن تخرج ذلك من صلبي. وقال عليه السلام: {لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَىْ أَهْلَهُ قَالَ: اللّهُمَّ جَنِّبْنِيْ الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ}. وإذا قربت من الإنزال فقل في نفسك، وتحرّك شفتيك: {الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}، وينحرف عن القبلة، ولا يستقبلها بالوقاع إكراما للقبلة، وليغط نفسه وأهله بثوب.
     (وَأَنْ لاَ تَصُوْمَ) أي تطوعا غير عرفة وعاشوراء (إِلاَّ بِإِذْنِهِ) فإن فعلت جاعت وعطشت، ولا يقبل الصوم منها (وَأَنْ لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ) بأن خرجت بغير إذنه (لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَة) أي ملائكة السماء والأرض، وملائكة الرحمة، وملائكة العذاب (حَتَّى تَتُوْبَ) أي المرأة (أَوْ تَرْجِعَ) أي إلى بيته (وَإِنْ كَانَ) أي الزوج (ظَالِمًا) بمنع خروجها، فإن خرجت بإذنه فمختفية في هيئة رثة تطلب المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق محترزة من أن يسمع غريب صوتها أو يعرفها بشخصها ولا تتعرف إلى صديق بعلها. وعلم من ذلك المذكور أنه يجب وجوبا متأكدا على المرأة أن تتحرى رضا زوجها وتجتنب سخطه ما أمكن.
     قال عبد الله الواسطي: رأيتُ امرأةً على عرفات، وهي تقول: "مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ"، فعلمتُ أنها ضالة. فقلتُ: أيتها المرأة، من أين أقبلتِ ؟، قالتْ: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى"، فعلمتُ أنها من بيت المقدس. فقلتُ: ماالذي جاء بكِ ؟، قالتْ: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً". فقلتُ: ألكِ زوج ؟، قالتْ: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ". فقلتُ: أتركبين بعيري ؟، قالت: "وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ "، فلما أرادت الركوب قالت: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ"، فأعرضتُ عنها. فلما ركبتْ قلتُ: من اسمكِ ؟، قالت: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ"، فقلتُ لها: ألكِ أولاد ؟، قالت: "وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ"، فعلمتُ أن لها أولادا. فقلتُ:ما أسمائهم ؟، قالتْ: "وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً، وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً، يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ". فقلتُ: في أيّ موضع أطلبهم ؟، قالتْ: "وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ"، فعلمتُ أنهم أدلة الركب. فقلت: يا مريمُ، ألا تأكلين شيئا ؟، قالتْ: "إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً". فلما وصلنا إليهم، ورأوها بكوا. قالتْ: "فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَة" الآية، فسألتهم عنها، فقالوا: إنها ضلت منذ ثلاثة أيام، وقد نذرت أن لا تتكلم إلا بالقرآن. ثم بعد ذلك رأيتُهم يبكون، فسألتهم، فقالوا: إنها في النزع. فدخلتُ وسألتها عن حالها، فقالت: "وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ". فلما ماتت رأيتها تلك الليلة في المنام، فقلتُ أين أنتِ ؟، قالت: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ".
     (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَيَسْتَغْفِرُ لِلْمَرْأَةِ الْمُطِيْعَةِ لِزَوْجِهَا الطَّيْرُ) جمع طائر مثل صاحب وصحب، وراكب وركب (فِيْ الْهَوَاءِ، وَالْحِيْتَانُ) جمع حوت، وهو العظيم من السمك، ولعل المراد أعم (فِيْ الْمَاءِ، وَالْمَلاَئِكَةُ فِيْ السَّمَاءِ) والشمس والقمر (مَا دَامَتْ) أي مدة دوامها (فِيْ رِضَا زَوْجِهَا).
     كان ببغداد رجل متزوج بابنة عمه، وكان قد عاهدها أن لايتزوج عليها، فجاءته في بعض الأيام إلى دكانه، وسألته أن يتزوج بها، فأخبرها بعهده مع ابنة عمه، فرضيت منه في كل جمعة يوما، فتزوجها واستمر على ذلك ثمانية أشهر، فأنكرت عليه بنت عمه، وأرسلت جاريتها لتنظر إلى أين يذهب، فدخل بيتا، فسألت عنه الجيران، فقالوا: قد تزوج. فأخبرت الجارية سيدتها بذلك، فقالت: لاتخبري أحدا. فلما مات الرجل أرسلت بنت عمه جاريتها بخمسمائة دينار، وقالت: اذهبي إلى زوجته، وقوليعظم الله أجرك في فلان، فإنه مات وترك ثمانية آلاف دينار، سبعة لابنه، وألف بيني وبينك. فلما أخبرتها بذلك دفعت لها ورقة، وقالت: ادفعيها إلى بنت عمه، فإذا فيها براءة له من الصداق، ول منها شئا.
     (وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ عَصَتْ زَوْجَهَا فَعَلَيْهَا لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَوْ أَنَّ امْرَأَةً جَعَلَتْ إِحْدَىْ يَدَيْهَا شواء وَ الأُخْرَى طَبيْخًا وَوَضَعَهَا لِزَوْجِهَا وَلَمْ يَرْضَ عَنْهَا كَانَتْ < ص 10 > يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْيَهُوْد وَ النَّصَارَى} وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أَيُّمَا امْرَأَةٍ دَعَاهَا زَوْجُهَا إِلَى فِرَاشِهِ فسوفت بِهِ حَتَّى يَنَامَ فَهِيَ مَلْعُوْنَةٌ}.
     (وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ كَلَحَتْ) أي عبست (فِيْ وَجْهِ زَوْجِهَا فَهِيَ فِيْ سَخَطِ اللهِ إلَى أَنْ تُضَاحِكَهُ وَتَسْتَرْضِيْهِ) أي تطلب رضاه. وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أَيُّمَا امْرَأَةٍ عَبَسَتْ فِيْ وَجْهِ زَوْجِهَا إِلاَّ قَامَتْ مِنْ قَبْرِهَا مُسْوَدَّةَ الْوَجْهِ}.
      (وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ دَارِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ} أي إلى بيته. وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {مَا خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِلاَّ لَعَنَهَا كُلُّ شَيْئٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَمْسُ حَتَّى الْحِيْتَانُ فِيْ الْبَحْرِ}.
     (قَالَتْ) أم المؤمنين (عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ لَوْ تَعْلَمنَّ بِحَقِّ أَزْوَاجِكُنَّ لَجُعِلَتْ الْمَرْأَةُ مِنْكُنَّ تَمْسَحُ الْغُبَارَ عَنْ قَدَمَي زَوْجِهَا بِحُرِّ وَجْهِهَا} أي بعض وجهها. وفي الصحاح: وحر الوجه بضم الحاء: ما بدا من الوجنة. وروى البزار عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: {سَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ ؟، قَالَ: زَوْجُهَا. قُلْتُ: فَأَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلىَ الرَّجُلِ ؟، قَالَ: أُمُّهُ}.
     (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَلاَثَةٌ لاَ يَقْبَلُ اللهُ لَهُمْ صَلاَةً) أي لا يثيبهم عليها (وَلاَ تُرْفَعُ لَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ: الْعَبْدُ) وكذا الأمة (الآبِقُ) أي الهارب بلا عذر (مِنْ سَيِّدِهِ حَتَّى يَرْجِعَ) وفي رواية: {حَتَّىْ يَرْجِعَ إِلَى مَوَالِيْهِ} (وَالْمَرْأَةُ السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا) لنحو نشوز (حَتَّى يَرْضَىْ) عنها زوجها (وَالسَكْرَانُ) أي المتعدى بسكره (حَتَّى يَصْحُوَ) من سكره رواه ابن ماجه وابن حبان والبيهقي عن جابر.
     (وَقَالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا قَالَتْ المَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ، فَقَدْ حُبِطَ عَمَلُهَا) أي إذا أنكرت ما تقدم لهمن الإحسان، فتجازى بإبطال عملها أي بحرمانها الثواب، إلا أن تعود وتعترف بإحسانه. نعم إن كانت على حقيقتها فلا لوم عليها. ومثل المرأة الأمة القائلة لسيدها ذلك. كذا قاله العزيزي. رواه ابن عدي وابن عساكر عن عائشة.  وقال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {أَيُّمَا امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ، إِلاَّ آيَسَهَا اللهُ تَعَالى مِنْ رَحْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.